الأربعاء، 1 أكتوبر 2014

واو المساواة كقول : لا والله وفلان , والحلف بغير الله

هذا شرك أصغر الا اذا حلف به من باب التعظيم فانه يكون شرك اكبر . عن قتيلة : ان يهودياً اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : انكم تشركون , تقولون : ماشاء الله وشئت , وتقولون , والكعبة . فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا ان يحلفوا ... اخرجة النسائي 3773
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)) رواه الترمذي كتاب النذور والايمان رقم 1535 وعند ابي داوود رقم 3251


عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: شرك طاعة قول الرجل: لا والله وفلان. وسائل الشيعة للحر العاملي الجزء 23 ص263

عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: قول الله عز وجل " والليل إذا يغشى  " " والنجم إذا هوى  " وما أشبه ذلك، فقال: إن لله عز وجل أن يقسم من خلقه بما شاء وليس لخلقه أن يقسموا إلا به. الكافي للكليني الجزء السابع ص449 باب (أنه لا يجوز أن يحلف الإنسان إلا بالله عز وجل

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته هل يصلح لأحد أن يحلف أحدا من اليهود و النصارى والمجوس بآلهتهم  قال: لا يصلح لأحد أن يحلف أحدا إلا بالله عز وجل. الكافي للكليني الجزء السابع ص451


حديث كوة القبر

الشّبهة : حديث كوة القبر:
يستدلّون بما رواه الدارمي عن أبي الجوزاء قال :" قحط أهل المدينةقحطاً شديداً فشكوا إلى عائشة رضي الله عنها فقالت: انظروا إلى قبر رسول الله (صلىالله عليه وسلم) فاجعلوه منه كوّة إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف،ففعلوا فمطروا حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق".

الجواب: 
أولا: ما من مسلم إلا ويعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما توفي دفن في بيت عائشة، وعائشة بقيت ساكنة فيه، فكيف تقول لهم ما قالت؟ أليس معنى هذا أنها تكلفهم أن يهدمواسقف البيت الذي تسكنه؟.

ثانيا: رسول الله (صلىالله عليه وآله وسلم) لما كان حياً كان دائماً معرضاً جسده إلى السماء ككل الناس في غدواته وروحاته وقد قحطوا على عهده (صلى الله عليه وسلم) فلم ينزل الغيث بمجرد كون جسده معروضاً للسماء، بل بقي القحط حتى استسقى لهم رسول الله (صلى الله عليهوآله وسلم). 
وحينما دخل رجل أعرابي المسجد والرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) قائم على المنبر يخطب الجمعة وشكا الأعرابي القحط، دعا النبيّ (صلى الله عليه وآله) وهو على المنبر محجوب الجسد عن السّماء بسقف المسجد، أفكان يجهل أن جسده مجلبة للغيث؟.

ثالثا: هذه القصّة لا تصحّ من حيث السّند أيضا:
·
في سندها: محمد بن الفضل السدوسي أبو النعمان البصري: قال الحافظ في التقريب: لقبه: "عارم" ثقة ثبت تغير في آخر عمره، وقال في الخلاصة: اختلط (عارم)، وقال أبوحاتم: من سمع منه قبل سنة /220/ فسماعه جيد. وقال البخاري: تغير عارم آخر عمره. قال أبو داود: إن عارماً أنكر سنة /213/ ثم استحكم به الاختلاط سنة /216/ولم يسمع منه أبو داود لتغيره .
·
وفي السند أيضا: سعيد بن زيد: قال الذهبي: ليس بالقوي، وقال الحافظ في التقريب: صدوق له أوهام. وقال في الخلاصة:قال ابن معين وقال أحمد: ليس به بأس، وقال النسائي ليس بالقوي. قال الذهبي في الميزان: ضعيف. 
·
وفي السّند أيضا: عمر بن مالك المنكريقال الحافظ في التقريب: صدوق له أوهام . وقال السعدي : ليس بحجه يضعفون حديثه . ميزان الاعتدال ج 3 ص 203 ط دار الكتب العلمية بيروت - لبنان
·
وفي السّند أبو الجوزاء أوسبن عبد الله: قال في التقريب: أوس بن عبد الله الربعي البصري وثقوه، وقال يحيى بن سعيد: قتل في الجماجم في إسناده نظر ويختلفون فيه، وقال أيضاً في الكنى: أبو الجوزاء الربعي أوس تابعي مشهور. قال البخاري: في إسناده نظر.

وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ

الشّبهة : { وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ }:
يستدلّون بقول الحقّ جلّ وعلا: { يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } (التوبة:74).
الجواب: 
نجيبهم بما ورد في تفاسيرهم لهذه الآية:
قال الطباطبائي في تفسيره (الميزان): " ثم قال في مقام ذمهم و تعييرهم: "وما نقموا إلا أن أغناهم الله و رسوله من فضله" أي بسبب أن أغناهم الله ورسوله، أي كان سبب نقمتهم هذه أن الله أغناهم من فضله بما رزقهم من الغنائم وبسط عليهم الأمن والرفاهية فمكنهم من توليد الثروة وإنماء المال من كل جهة، وكذا رسوله حيث هداهم إلى عيشة صالحة تفتح عليهم أبواب بركات السماء والأرض، وقسم بينهم الغنائم وبسط عليهم العدل.
فهو من قبيل وضع الشيء موضع ضده: وضع فيه الإغناء وهو بحسب الطبع سبب للرضى والشكر موضع سبب النقمة والسخطة كالظلم والغضب، وإن شئت قلت: وضع فيه الإحسان موضع الإساءة، ففيه نوع من التهكم المشوب بالذم نظير ما في قوله تعالى: "و تجعلون رزقكم أنكم تكذبون:" الواقعة: 82 أي تجعلون رزقكم سببا للتكذيب بآيات الله وهو سبب بحسب الطبع لشكر النعمة والرضا بالموهبة على ما قيل: إن المعنى: و تجعلون بدل شكر رزقكم أنكم تكذبون. والضمير في قوله: "من فضله" راجع إلى الله سبحانه، قال في المجمع،: وإنما لم يقل: من فضلهما لأنه لا يجمع بين اسم الله واسم غيره في الكناية تعظيما لله، ولذلك قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لمن سمعه يقول: "من أطاع الله ورسوله فقد اهتدى ومن عصاهما فقد غوى": بئس خطيب القوم أنت"، فقال: كيف أقول يا رسول الله؟ قال: قل: ومن يعص الله ورسوله، وهكذا القول في قوله سبحانه: "والله ورسوله أحق أن يرضوه" وقيل: إنما لم يقل من فضلهما لأن فضل الله منه وفضل رسوله من فضله، انتهى كلامه.
وهناك وراء التعظيم أمر آخر قدمنا القول فيه في تفسير قوله تعالى: "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة:" المائدة: - 73 في الجزء السادس من الكتاب، و هو أن وحدته تعالى ليست من سنخ الوحدة العددية حتى يصح بذلك تأليفها مع وحدة غيره و استنتاج عدد من الأعداد منه. (الميزان: 09/191-192).

الشّبهة : الأعرابي وقوله تعالى { ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم }

الشّبهة : الأعرابي وقوله تعالى { ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم }:
في تفسير ابن كثير:
"
يقول تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ } أي: فرضت طاعته على من أرسله إليهم وقوله: { بِإِذْنِ اللَّهِ } قال مجاهد: أي لا يطيع أحد إلا بإذني. يعني: لا يطيعهم إلا من وفقته لذلك، كقوله: { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } [آل عمران:52] أي: عن أمره وقدره ومشيئته، وتسليطه إياكم عليهم.
وقوله: { وَلَوْ أَنْهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } يرشد تعالى العصاة والمذنبين إذا وقع منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيستغفروا الله عنده، ويسألوه أن يستغفر لهم، فإنهم إذا فعلوا ذلك تاب الله عليهم ورحمهم وغفر لهم، ولهذا قال: { لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا }.
وقد ذكر جماعة منهم: الشيخ أبو نصر بن الصباغ في كتابه "الشامل" الحكاية المشهورة عنالعُتْبي، قال: كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول: { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } وقد جئتك مستغفرا لذنبي مستشفعا بك إلى ربي ثم أنشأ يقول:
يا خيرَ من دُفنَت بالقاع أعظُمُه ... فطاب منْ طيبهنّ القاعُ والأكَمُ
نَفْسي الفداءُ لقبرٍ أنت ساكنُه ... فيه العفافُ وفيه الجودُ والكرمُ
ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال: يا عُتْبى، الحقْ الأعرابيّ فبشره أن الله قد غفر له ". (تفسير ابن كثير).

الجواب:
أولا:حكاية الأعرابيّ الذي جاء إلى قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) من الحكايات الكثيرة التي تُحكى بغير إسناد يستأنس به. 
وأبو نصر ابن الصبّاغ الذي نقل عنه ابن كثير توفّي سنة 477هـ، وبين وفاته ووفاة العتبيّ (ت228هـ) أكثر من 249 سنة، وقد روى عنه بغير إسناد !!!.
ثانيا: العتبيّ الذي تُروى عنه هذه القصّة بألفاظ مضطربة متناقضة، ومثل هذا الاضطراب يجعلنا نجزم بكذب هذه الرّواية، فإذا أضفنا إلى ذلك أنّها حكاية بغير إسناد يستأنس به، زادها ذلك وهنا على وهن.
ثالثا:حكاية ابن كثير للقصّة لا يدلّ على قبوله لها، فقد حكى كثيرا من الإسرائيليات في تفسيره، أنكرها عليه أهل العلم المتخصّصون، وهناك كتب كاملة ألّفت في تمييز ما في تفسير ابن كثير من صحيح وضعيف.
ولو فرضنا صحّتها فلا حجّة فيها؛ فهي تحكي فعلا فعله أعرابيّ ربّما يكون من أجهل النّاس بمدلولات كتاب الله جلّ وعلا.
وهنا قد يقول قائل: ولكن إذا سلّمنا بصحّتها فإنّنا سنسلّم برؤية العتبيّ للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) في المنام يطلب منه إخبار ذلك الأعرابيّ بتوبة الله عليه، ورؤيا النبيّ (صلى الله عليه وآله) حقّ، لأنّ الشّيطان لا يتمثّل به.
والجواب أنّ الشّيطان لا يتمثّل بصورة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) الحقيقية، ولكنّه قد يتمثّل بصورة أخرى ويكذب على الرّائي، ويقول له أنا رسول الله، افعل كذا، أو أخبر فلانا كذا، وقد حدث هذا كثير من المتصوّفة، فأضلّهم وأضلّ بهم. 
كما أنّ ألفاظ هذه القصّة المروية عن العتبيّ تدلّ دلالة واضحة على اختلاقها، لما فيها من تكلّف في حبكها، وهذه العبارة وحدها تكفي للشكّ في كونها من وضع المتصوّفة الذين يبنون دينهم على المنامات، يقول: ثُمَّ اِنْصَرَفَ الْأَعْرَابِيّ فَغَلَبَتْنِي عَيْنِي فَرَأَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ فِي النَّوْم فَقَال: "يَا عُتْبِيّ الْحَقْ الْأَعْرَابِيّ فَبَشِّرْهُ أَنَّ اللَّه قَدْ غَفَرَ لَه".
كما أنّنا لا ينبغي أن ننسى أنّ هذه القصّة رويت عن العتبيّ بألفاظ متعدّدة، يفضح بعضها بعضا، منها أنّ الأعرابيّ الذي جاء إلى قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) بعد أيام من دفنه، مع أنّ العتبيّ توفّي بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) بـ 217 سنة!!!.
***

واستغفر لهم الرسول

الشّبهة  { واستغفر لهم الرسول }:
يستدلّ الشّيعة ومن نحا نحوهم في هذه المسائل بقول الله (جلّ وعلا): { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّاباً رَّحِيماً{64}} (النّساء).
الجواب: 
أولا: استدلال الشّيعة بهذه الآية هو مثال من مئات الأمثلة عن انحرافهم في الاستدلال بآي القرآن الكريم؛ حينما يعمدون إلى آية أو جزء من آية، فيجرّدونه من سياقه، وعن أسباب نزوله، ليستدلّوا به. والسّبب أنّهم يعتقدون ثمّ يستدلّون، ولا يستدلّون ليعتقدوا.

ثانيا: الآية لا دليل فيها البتّة على مشروعية التوسّل بالنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا في حياته، ولا بعد موته، ولو قرأنا الآية بتمامها وقرأنا الآيات التي قبلها والتي بعدها لفهمنا معناها: 
الآيات التي جاءت في سياقها هذه الآية هي كما يلي:
{
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً{59} أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً{60} وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً{61} فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً{62} أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً{63} وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً{64} فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً{65} }.(النّساء)

فالآيات كما هو واضح تتحدّث عن قوم من المنافقين يرفضون المجيء إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في حياته ليحكم بينهم بحكم الله ويستغفر لهم على ظلمهم أنفسهم.
قال الطباطبائي في تفسير الميزان:
قوله تعالى: "أ لم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك" إلى آخر الآية. الزعم هو الاعتقاد بكذا، سواء طابق الواقع أم لا، بخلاف العلم فإنه الاعتقاد المطابق للواقع، ولكون الزّعم يستعمل في الاعتقاد في موارد لا يطابق الواقع ربما يظنّ أنّ عدم مطابقة الواقع مأخوذ في مفهومه وليس كذلك، والطاغوت مصدر بمعنى الطغيان كالرهبوت والجبروت والملكوت، غير أنّه ربما يطلق و يراد به اسم الفاعل مبالغة، يقال: طغى الماء إذا تعدى ظرفه لوفوره وكثرته، وكان استعماله في الإنسان أولا على نحو الاستعارة ثم ابتذل فلحق بالحقيقة و هو خروج الإنسان عن طوره الذي حده له العقل أو الشرع، فالطاغوت هو الظالم الجبار، والمتمرّد عن وظائف عبودية الله استعلاء عليه تعالى و هكذا، وإليه يعود ما قيل: إن الطاغوت كل معبود من دون الله.
وقوله: بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك، بمنزلة أن يقال: بما أنزل الله على رسله، ولم يقل: آمنوا بك وبالذين من قبلك لأن الكلام في وجوب الرد إلى كتاب الله وحكمه وبذلك يظهر أن المراد بقوله: "و قد أمروا أن يكفروا به" الأمر في الكتب السماوية والوحي النازل على الأنبياء: محمد ومن قبله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وقوله: { أ لم تر..} إلخ، الكلام بمنزلة دفع الدخل كأنه قيل: ما وجه ذكر قوله: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول "إلخ" فقيل: أ لم تر إلى تخلفهم من الطاعة حيث يريدون التحاكم إلى الطاغوت؟ والاستفهام للتأسف، والمعنى: من الأسف ما رأيته أنّ بعض الناس، وهم معتقدون أنهم مؤمنون بما أنزل إليك من الكتاب وإلى سائر الأنبياء والكتب السماوية إنما أنزلت لتحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وقد بينه الله تعالى لهم بقوله: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ} ( البقرة: 213). يتحاكمون عند التنازع إلى الطاغوت وهم أهل الطغيان والمتمردون عن دين الله المتعدون على الحق، وقد أمروا في هذه الكتب أن يكفروا بالطاغوت، وكفى في منع التحاكم إليهم أنه إلغاء لكتب الله وإبطال لشرائعه.
وفي قوله {ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا }: دلالة على أن تحاكمهم إنما هو بإلقاء الشيطان و إغوائه، و الوجهة فيه الضلال البعيد.
قوله تعالى: { وإذا قيل لهم تعالوا } إلى آخر الآية، تعالوا بحسب الأصل أمر من التعالي وهو الارتفاع، وصدّ عنه يصدّ صدودا أي أعرض، وقوله: { إلى ما أنزل الله وإلى الرسول }، بمنزلة أن يقال: إلى حكم الله ومن يحكم به، في قوله: يصدون عنك، إنما خص الرسول بالإعراض مع أن الذي دعوا إليه هو الكتاب والرسول معا لا الرسول وحده لأن الأسف إنما هو من فعل الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل الله، فهم ليسوا بكافرين حتى يتجاهروا بالإعراض عن كتاب الله بل منافقون بالحقيقة يتظاهرون بالإيمان بما أنزل الله لكنهم يعرضون عن رسوله. 
ومن هنا يظهر أن الفرق بين الله ورسوله بتسليم حكم الله والتوقف في حكم الرسول نفاق البتة.
قوله تعالى: { فكيف إذا أصابتهم مصيبة } إلخ... إيذان بأن هذا الإعراض والانصراف عن حكم الله ورسوله، والإقبال إلى غيره وهو حكم الطاغوت سيعقب مصيبة تصيبهم لا سبب لها إلا هذا الإعراض عن حكم الله ورسوله، والتحاكم إلى الطاغوت، وقوله: {ثم جاءوك يحلفون بالله}: حكاية لمعذرتهم أنهم ما كانوا يريدون بركونهم إلى حكم الطاغوت سوء، والمعنى - و الله أعلم -: فإذا كان حالهم هذا الحال كيف صنيعهم إذا أصابهم بفعالهم هذا وباله السيئ ثم جاءوك يحلفون بالله قائلين ما أردنا بالتحاكم إلى غير الكتاب والرسول إلا الإحسان والتوفيق وقطع المشاجرة بين الخصوم.
قوله تعالى: {أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم}... إلخ: تكذيب لقولهم فيما اعتذروا به، ولم يذكر حال ما في قلوبهم، وأنه ضمير فاسد لدلالة قوله: {فأعرض عنهم وعظهم} على ذلك إذ لو كان ما في قلوبهم غير فاسد كان قولهم صدقا وحقا ولا يؤمر بالإعراض عمن يقول الحق ويصدق في قوله.
وقوله: {وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا} أي قولا يبلغ في أنفسهم ما تريد أن يقفوا عليه ويفقهوه من مفاسد هذا الصنيع، وأنه نفاق لو ظهر نزل بهم الويل من سخط الله تعالى.
قوله تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله}، رد مطلق لجميع ما تقدمت حكايته من هؤلاء المنافقين من التحاكم إلى الطاغوت، والإعراض عن الرسول، والحلف والاعتذار بالإحسان والتوفيق.
فكل ذلك مخالفة للرسول بوجه سواء كانت مصاحبة لعذر يعتذر به أم لا، وقد أوجب الله طاعته من غير قيد وشرط فإنه لم يرسله إلا ليطاع بإذن الله، وليس لأحد أن يتخيل أن المتبع من الطاعة طاعة الله، وإنما الرسول بشر ممن خلق إنما يطاع لحيازة الصلاح فإذا أحرز صلاح من دون طاعته فلا بأس بالاستبداد في إحرازه، وترك الرسول في جانب، وإلا كان إشراكا بالله، وعبادة لرسوله معه، وربما كان يلوح ذلك في أمور يكلمون فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول قائلهم له إذا عزم عليهم في مهمة: أ بأمر من الله أم منك؟.
فذكر الله سبحانه أن وجوب طاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجوب مطلق، وليست إلا طاعة الله فإنها بإذنه نظير ما يفيده قوله تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} الآية: "النساء: 80".
ثم ذكر أنهم لو رجعوا إلى الله ورسوله بالتوبة حين ما خالفوا الرسول بالإعراض لكان خيرا لهم من أن يحلفوا بالله، ويلفقوا أعذارا غير موجهة لا تنفع ولا ترضي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأن الله سبحانه يخبره بحقيقة الأمر، وذلك قوله: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك}... إلى آخر الآية. (تفسير الميزان: 04/152-153).

ثالثا:لم يثبت عن أعلام أهل البيت – وهذا هو لبّ موضوعنا – أنّهم كانوا يذهبون إلى قبر نبيّ الهدى (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليستغفر الله لهم. 

رابعا: القياس في العقائد والعبادات لا يصحّ؛ فلا يصحّ قياس حال النبيّ (صلى الله عليه وآله) بعد وفاته على حاله في حياته، وإلا لزم قياس التّحاكم إليه بعد وفاته على التّحاكم إليه في حياته، وهذا لا يقول به ولا يفعله عاقل، فلا أحد من المسلمين يأخذ خصمه إلى قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليحكم بينهما، أو يذهب إليه في قبره (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليسأله في أمور دينه.

خامسا: "إذ" في اللّغة العربيّة، الأصل أنّها تفيد الماضي، إلا إذا جاءت في سياق يفيد غير ذلك، وقد وردت في القرآن الكريم في (103) موضعٍ (وليس موضعا)، كلّها تفيد الماضي إلا 09 مواضع، يتحدّث فيها المولى تبارك وتعالى عن اليوم الآخر.
فالآية تتحدّث عن شيء مضى وانقضى، ولا تتحدّث عن حكم شرعيّ، ولا شكّ أنّ لكلّ واقعة دروسا تستفاد منها، لكنّه لا ينبغي إغفال المتغيّرات، وإلا وقعنا في المتناقضات.

سادسا: الآيات تتحدّث عن أمر أساسيّ وهو التّحاكم، وأمر تابع له وهو طلب الاستغفار، والأمران لا يتمّان إلا في حضرة من يُتحاكَم إليه ويُطلب منه الاستغفار، أمّا الاستغفار في العموم فقد بيّن الله جلّ وعلا سبيله حينما قال: { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }(آل عمران:135).
وقد جاءت الآية بأداة "إذا" التي تيفيد الحاضر والمستقبل.

سابعا: لقد نهى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يتّخذ قبره عيدا أي مكانا يعتاد ويزار في مواسم مخصوصة:
في (مستدرك الوسائل): العلامة الكراجكي في كنز الفوائد: عن أسد بن ابراهيم السلمي والحسين بن محمد الصيرفي معا، عن أبي بكر المفيد الجرجراني، عن ابن أبي الدنيا المعمر المغربي، عن أمير المؤمنين (عليه السلام ) قال: " سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله ) يقول: (لاتتخذوا قبري عيدا، و لاتتخذوا قبوركم مساجدكم، ولابيوتكم قبورا) ". (مستدرك الوسائل: 02/287).
فلو كان الذّهاب إلى قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأجل طلب الاستغفار منه ما نهى النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن اتّخاذ قبره عيدا.
***

شبهة اسالك بحق السائلين

الحديث الأول
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً: (( من خرج من بيته إلى الصلاة، فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وأسألك بحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً...أقبل الله عليه بوجهه))

رواه الإمام أحمد (3ـ21) وابن الجعد في مسنده (1ـ299) وابن أبي شيبة في المصنف (6ـ25) وابن ماجه رقم (778) وغيرهم

وهذا الحديث إسناده ضعيف لأنه من رواية عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري، وعطية ضعيف كما قال الإمام النووي في "الأذكار" وقال الذهبي في "الضعفاء" (88ـ1): مجمع على ضعفه.

وقال الإمام أحمد: ضعيف الحديث وبلغني أن عطية كان يأتي (الكلبي) فيأخذ عنه التفسير وكان يكنيه بأبي سعيد !!!؟ فيقول: قال أبو سعيد ، يوهم أنه أبو سعيد الخدري.

وقال الحافظ ابن حجر في كتابه التقريب: صدوق يخطىء كثيراً، كان شيعياً مدلساً.

أورده الحافظ ابن حجر في كتابه "طبقات المدلسين" المرتبة الرابعة ، وقال: تابعي معروف، ضعيف الحفظ مشهور بالتدليس القبيح.

والتدليس القبيح الذي أراده الحافظ ابن حجر ، هو تدليس الشيوخ ، وهذا النوع من التدليس لا يصلح معه التصريح بالسماع ، خاصة في مثل هذه الحالة ، حيث ثبت كما مر عن الإمام أحمد أن عطية العوفي له شيخ كذاب (الكلبي) يكنيه أبا سعيد ، وله أيضاً رواية عن الصحابي أبي سعيد ، فكان يدلس الرواية عن الأول بالرواية عن الثاني ، فحكم روايته بالسماع أو العنعنة عن من يسميه أبا سعيد لا يحتج بها ، مع ما فيه من ضعف.


الحديث الثاني
حديث بلال رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله إذا خرج إلى الصلاة قال: بسم الله، آمنت بالله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله ، اللهم بحق السائلين عليك، وبحق مخرجي هذا، فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً.. الحديث

رواه ابن السني في كتابه "عمل اليوم والليلة" رقم: (82) من طريق الوازع بن نافع العقيلي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله عنه.

قال الإمام النووي في "الأذكار": حديث ضعيف أحد رواته الوازع بن نافع العقيلي وهو متفق على ضعفه، وأنه منكر الحديث.

وقال الحافظ ابن حجر بعد تخريجه: هذا حديث واه جداً، أخرجه الدارقطني في "الأفراد" من هذا الوجه وقال: تفرد به الوازع، وهو متفق على ضعفه وأنه منكر الحديث. والقول فيه أشد من ذلك، فقال ابن معين والنسائي: ليس بثقة، وقال أبو حاتم وجماعة، متروك الحديث، وقال الحاكم: يروي أحاديث موضوعة.

وقال ابن عدي: أحاديثه كلها غير محفوظة.

وقال البخاري: منكر هذا الحديث.


الحديث الثالث
عن أبي أمامة قال: كان رسول الله إذا أصبح، وإذا أمسى دعا بهذا الدعاء: اللهم أنت أحق من ذكر، وأحق من عبد.. أسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السماوات والأرض، وبكل حق هو لك، وبحق السائلين عليك... .

قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/117): (رواه الطبراني، وفيه فضال بن جبير، وهو ضعيف مجمع على ضعفه). وقال في موضع آخر: (لا يحل الاحتجاج به)

وقال ابن حبان عن فضال: شيخ يزعم أنه سمع أبا أمامة، يروي عنه ما ليس من حديثه. وقال أيضاً: لا يجوز الاحتجاج به بحال، يروي أحاديث لا أصل له.

وقال ابن عدي في "الكامل" (25/13): أحاديثه كلها غير محفوظة.

وقال عنه البيهقي في كتابه شعب الإيمان: فضال صاحب مناكير.

وهذه الأحاديث مع كونها ضعيفة فهي لا تدل على التوسل بالمخلوقين أبداً، وإنما تعود إلى أحد أنواع التوسل المشروع ، وهو التوسل إلى الله تعالى بصفة من صفاته عز وجل، لأن فيها التوسل بحق السائلين على الله وبحق ممشى المصلين. فما هو حق السائلين على الله تعالى؟، لا شك أنه إجابة دعائهم، وإجابة الله دعاء عباده صفة من صفاته عز وجل، وكذلك حق ممشى المسلم إلى المسجد هو أن يغفر الله له، ويدخله الجنة ومغفرة الله تعالى ورحمته، وإدخاله بعض خلقه ممن يطيعه الجنة. كل ذلك صفات له تبارك وتعالى.


محمد بن عبدالوهاب والتوسل بالنبي

إن قال لك: أنا لا أعبد إلا الله وهذا الالتجاء إلى الصالحين، ودعاءهم ليس بعبادةٍ
.
فقل له: أنت تقر أن الله فرض عليك إخلاص العبادة وهو حقه عليك؟ فإذا قال: نعم، فقل له: بين له هذا الذي فرض عليك وهو إخلاص العبادة لله وحده وهو حقه عليك فإن كان لا يعرف العبادة ولا أنواعها فبينها له بقولك: قال الله تعالى: ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين.
فإذا أعلمته بهذا فقل له: هل علمت هذا عبادة لله؟ فلا بد أن يقول لك: نعم، والدعاء مخ العبادة، فقل له: إذا أقررت أنه عبادة لله ودعوت الله ليلاً ونهاراً خوفاً وطمعاً، ثم دعوت في تلك الحاجة نبياً أو غيره هل أشركت في عبادة الله غيره؟ فلا بد أن يقول: نعم، فقل له: فإذا عملت بقول الله تعالى: فصل لربك وانحر، وأطعت الله ونحرت له هل هذا عبادة، فلا بد أن يقول: نعم، فقل له: فإذا نحرت لمخلوق نبي أو جني أو غيرهما، هل أشركت في هذه العبادة غير الله؟ فلا بد أن يقر، ويقول نعم، وقل له أيضاً: المشركون الذين نزل فيهم القرآن، هل كانوا يعبدون الملائكة والصالحين واللات وغير ذلك؟ فلا بد أن يقول: نعم، فقل له: وهل كانت عبادة المشركين الأوليين إلا في الدعاء والذبح والالتجاء ونحو ذلك، وإلا فهم مقرون أنهم عبيد الله وتحت قهره، وأن الله هو الذي يدبر الأمر ولكن دعوهم، والتجئوا إليهم للجه والشفاعة، وهذا ظاهر جد
* فإن قال: الشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام فقل: ما معنى عبادة الأصنام؟ أتظن أنهم يعتقدون أن تلك الأخشاب والأحجار تخلق وترزق وتدبر أمر من دعاها؟ فهذا يكذبه القرآن، كما في قوله تعالى: قل من يرزقكم من السماء والأرض الآية. * وإن قال هو من قصد خشبة أو حجراً أو بنية على قبر أو غيره يدعون ذلك ويذبحون له ويقولون، إنه يقربنا إلى الله زلفى ويدفع عنا ببركته ويعطينا ببركته.
فقل صدقت، وهذا فعلكم عند الأحجار والبنايات التي على القبور وغيرها، فهذا أقر أن فعلهم هذا هو عبادة الأصنام، وهو المطلوب ويقال له أيضاً قولك: "الشرك عبادة الأصنام"، هل مرادك أن الشرك مخصوص بهذا، وأن الاعتماد على الصالحين ودعاءهم لا يدخل في هذا؟ فهذا يرده ما ذكر الله في كتابه من كفر من تعلق على الملائكة أو عيسى أو الصالحين فلا بد أن يقر لك أن من أشرك في عبادة الله أحداً من الصالحين فهو الشرك المذكور في القرآن وهذا هو المطلوب.
* وسر المسألة أنه إذا قال: أنا لا أشرك بالله، فقل له: وما الشرك بالله؛ فسره لي؟ فإن قال: هو عبادة الأصنام، فقل: وما معنى عبادة الأصنام فسرها لي ؟ فإن قال أنا لا أعبد إلا الله وحده فقل: ما معنى عبادة الله وحده فسرها لي؟ فإن فسرها بما بينه القرآن فهو المطلوب ، وإن لم يعرفه فكيف يدعي شيئاً وهو لا يعرفه، وإن فسر ذلك بغير معناه بينت له الآيات الواضحات في معنى الشرك بالله وعبادة الأوثان، وأنه يفعلونه في هذا الزمان بعينه، وأن عبادة الله وحده لا شريك له هي التي ينكرونها علينا ويصيحون كما صاح إخوانهم حيث قالوا: (أجعل الآلهة إلهاً واحداً، إن هذا لشئ عجاب)
ولكن هناك مسئلة يجب ان توضح وهي مسألة التوسل لله:
فنبدأ أولاببيان ما اختلط على القوم من عدم تفريقهم بين الاستغاثة المحرمة ، والتي هي من أمور العقيدة وبين التوسل الذي هو من أمور الفقه ألذي اختلف حوله العلماء ، وهو يدخل في أبواب الحل والحرمة ، فنجد ببيان الفرق بين الاستغاثة و ا لتوسل . الفرق بين الاستغاثة والتوسل .
يحسن بنا أولا أن نعرف الاستغاثة ونذكر من صورها ما يوضح الجائز منها والممنوع :
-تعريف العلماء للاستغاثة :*****
هي طلب العون وتفريج الكروب.
ما يعتريها من أحكام : يعتري هذه الاستغاثة أربعة أحكام :
أ - الإباحة : وذلك في طلب الحوائج من الأحياء فيما يقدرون عليه كقوله تعالى( فاستغاثة الذي من شيعته على الذي من عدوه ) (القصص :15 ).
ب - الاستغاثة المندوبة ( المطلوبة ) الاستغاثة بالله : قا ل تعالى:"إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين (الأنفال : 9 ) .
( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ) (النمل : 62) .
ج - الاستغاثة الواجبة : وذلك إذا ترتب على ترك الاستغاثة هلاك الإنسان .
د - الاستغاثة الممنوعة، وذلك إذا استغاث الإنسان في الأمور المعنوية بمن لا يملك القوة أو التأثير سواء كان المستغاث به جنا أو إنسانا أو ملكا أو نبيا كأن يستغاث بهم ولا يستغاث بالله تعالى في تفريج الكروب عنهم أو طلب الرزق ، فهذا غير جائز بإجماع العلماء وهو من الشرك ،( ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك ) وهذا يخالف تماما التوسل ، وإليك بيان حقيقة التوسل .
2 - معنى التوسل :
يطلق التوسل على : ما يتقرب به إلى الله تعالى من فعل الطاعات وترك المنهيات ، وعليه حمل المفسرون قوله تعالى: ( وابتغوا إليه الوسيلة ) ، كما يطلق التوسل أيضا على التقرب إلى الله بطلب الدعاء من الغير، وعلى الدعاء المتقرب به إلى الله تعالى باسم من أسمائه أو صفة من صفاته ، أو بأحد من خلقه كنبي أو صالح.
الفرق بين الاستغاثة والتوسل :
هذا وخلط هؤلاء لعدم علمهم وعدم اطلاعهم على أقوال العلماء بين الاستغاثة والتوسل ( وبهذا قد خلطوا بين ما هو من العقيدة وما هو من الفقه ) وهذا أمر يدعو إلى الاستغراب والعجب ، وها نحن ندع لشيخ الإسلام ابن تيمية بيان الفرق بينهما بقوله- رحمه الله تعالى-: ( لم يقل أحد أن التوسل بنبي ، هو استغاثة به ، بل العامة الذين يتوسلون في أدعيتهم بأمور ، كقول أحدهم : أتوسل إليك بحق الشيخ فلان ، أو بحرمته ، أو أتوسل إليك باللوح والقلم ، أو بالكعبة ، أو غير ذلك ، مما يقولونه في أدعيتهم ، يعلمون أنهم لا يستغيثون بهذه الأمور ؟ فإن المستغيث بالنبي صلى الله عليه وسلم طالبا منه وسائلا له ، والمتوسل به لا يدعي ولا يطلب منه ولا يسأل ، وإنما يطلب به ، وكل أحد يفرق بين المدعو والمدعو به.
و الاستغاثة : طلب الغوث ، وهو إزالة الشدة ، كالاستنصار طلب النصر ، والاستعانة طلب العون ، والمخلوق يطلب منه من هذه الأمور ما يقدر عليه منها ، كما قال تعالى: ( وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر) ، وكما قال تعالى: ( فاستغاثة الذي من شيعته على الذي من عدوه ) (القصص : 15 )، وكما قال سبحانه : ( وتعاونوا على البر والتقوى) (المائدة : 2 ) .
وأما ما لا يقدر عليه إلا الله ، فلا يطلب إلا من الله ، ولهذا كان المسلمون لا يستغيثون بالنبي صلى الله عليه وسلم بل يستسقون به ، ويتوسلون به ، كما في صحيح البخاري : أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - استسقى بالعباس وقال : اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون. ثم يقول أيضا : (وقول القائل : أن من توسل إلى الله بنبي ، فقال : أتوسل إليك برسولك فقد استغاث برسوله حقيقة ، في لغة العرب وجميع الأمم قد كذب عليهم ، فما يعرف هذا في لغة أحد من بني آدم ، بل الجميع يعلمون أن المستغاث مسئول به مدعو ، ويفرقون بين المسئول والمسئول به ، سواء استغاث بالخالق أو بالمخلوق ، فإنه يجوز أن يستغاث بالمخلوق فيما يقدر على النصر فيه ، والنبي صلى الله عليه وسلم أفضل مخلوق يستغاث به في مثل ذلك.
ولو قال قائل لمن يستغيث به : أسألك بفلان ، أو بحق فلان ، لم يقل أحد أنه استغاث بما توسل به ، بل إنما استغاث بمن دعاه ، وسأله [وعلى هذا فالاستغاثة ، تخالف التوسل تماما ، وليس بينهما صلة في الحكم ] . هذا وينبغي لنا أن نعرف التوسل ، ونذكر ما ورد فيه من آراء واختلاف للفقهاء حوله .
وقد قال العلماء : التوسل من الوسيلة ، ومعنى الوسيلة : القربة والواسطة ، وهي ما يتوصل به إلى الشيء ويتقرب به ، وكذلك التوصل إلى الشيء برغبة .
أنواع التوسل :
أولاً : التوسل ( الذي لا خلاف عليه ) المتفق عليه :
1 - التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته :
والدليل على مشروعيته قوله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها )(الأعراف : 180 ) .
2 .التوسل إلى الله بدعاء الرسول حال حياته :
وقد وردت أمثلة من هذا في السنة الشريفة ، فمن ذلك ما رواه أنس –رضي الله عنه - أن رجلا دخل يوم الجمعة على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو قائم يخطب ، فقال يا رسول الله هلكت المواشي فادع الله يغيثنا ، قال فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال : "اسقنا اللهم اسقنا " .
قال أنس : والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئا، وما بيننا وبين سلع –جبل يدعن سلع –من بيت ولا دار، فقال فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس ، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت ، قال والله ما رأينا الشمس سبتا . . الحديث ).
وقد كان الصحابة يطلبون من رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته أن يدعو لهم ، كما في حديث : ( يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم لما أخبرهم بأنه يدخل الجنة سبعون ألفا).
وقول المرأة التي كانت تصرع : ( يا رسول الله أدع لي الله ). كما روي أن رجلا ضرير البصر أتى إلى النبي صلى الله علية وسلم فقال : (أدع الله أن يعافيني ).
3 - التوسل بالأعمال الصالحة :
التوسل إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة التي قام بها الداعي كأن يقول اللهم بإيماني بك ، ومحبتي لك ، واتباعي لرسولك ، اغفر لي .
ومنه أن يذكر الداعي عملا صالحاً ذا بال كان يعمله طاعة لله وإخلاصا لوجهه الكريم ، فيتوسل به إلى الله في دعائه ، ليكون أحرى لقبوله وإجابته .
والدليل على مشروعيته قوله تعالى: ( الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار ) (آل عمران : 16 ) .
وقوله عن الحواريين : (ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين) (آل عمران : 53) .
ويدل أيضا على هذا النوع من التوسل ما ورد بشأن الثلاثة أصحاب الغار الذين آواهم المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار ولم ينجهم منها إلا دعاء كل واحد منهم إلى الله بأفضل ما قدمه من أعمال . . . القصة ) الحديث.
4 - التوسل إلى الله بدعاء من ترجى إجابته من أهل الصلاح والتقوى وأهل العلم بالكتاب والسنة .
وقد وردت أمثلة من هذا النوع في السنة الشريفة ، كما وقعت نماذج من فعل الصحابة - رضوان الله عليهم ..
ومنه ما رواه أنس - رضي الله عنه -أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب ، فقال اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ، قال : فيسقون .
ومثل ما فعله عمر فعل معاوية بن أبي سفيان بحضرة من معه من الصحابة والتابعين
ولما أجدب الناس بالشام حيث استسقوا بيزيد بن الأسود الجرشي وتوسلوا به كما توسل عمر بالعباس ، فقال : أى معاوية اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا ، اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بيزيد بن الأسود الجرشي ، يا يزيد ارفع يديك إلى الله . فرفع يديه ، ورفع الناس أيديهم ، فما كان إلا أن ثارت سحابة في الغرب كأنها ترس ، وهبت لها ريح ، فسقتنا حتى كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم .
05 التوسل بالنبي صلى الله علية وسلم بعد مماته :
كأن يقول القائل أسألك يارب بنبيك محمد ، ويريد : أني أسألك بإيماني به وبمحبته . وأتوسل إليك بإيماني به يا رب وبمحبته . ونحو ذلك .
قال ابن تيمية : من أراد هذا المعنى فهو مصيب في ذلك بلا نزاع ، ويحمل على هذا المعنى كلام من توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته من السلف ، كما نقل عن بعض الصحابة والتابعين ، وعن الإمام أحمد وغيره ، وعلى هذا لا يكون في المسألة نزاع أو خلاف.
ثانيا: التوسل المختلف فيه بين الأئمة :
1- التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته : ( الذي اختلف فيه العلماء ):
اختلف العلماء في مشروعية التوسل النبي صلى الله علية وسلم بعد وفاته كقوله القائل : اللهم إني أسألك بنبيك أو بجاه نبيك أو بحق نبيك ، على أقوال ثلاثة :
القول الأول ، ذهب جمهور العلماء الفقهاء ( المالكية والشافعية ومتأخرو الحنفية وهو المذهب عند الحنابلة ) إلى جواز هذا النوع من التوسل سواء في حياة النبي صلى الله عليه وسلم أو بعد وفاته.
قال القسطلانى : وقد روي أن مالكا لما سأله أبو جعفر المنصور العباسي -ثاني خلفاء بني العباس -يا أبا عبد الله أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدعو أم أستقبل القبلة وأدعو ؟
فقال له مالك : ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم –عليه السلام – إلى الله عز وجل يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله .
وقد روى هذه القصة أبو الحسن علي بن فهر في كتابه ( فضائل مالك ) بإسناد لا بأس به وأخرجها القاضي عياض في الشفاء من طريقه عن شيوخ عدة من ثقات مشايخه.
وقال النووي في بيان آداب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم : ثم يرجع الزائر إلى موقف قبالة وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتوسل به ويستشفع به إلى ربه ، ومن أحسن ما يقول الزائر، ما حكاه الماوردي والقاضي وأبو الطيب وسائر أصحابنا عن العتبي مستحسنين له قال : كنت جالسا عند قبر النبي فجاءه أعرابي فقال : السلام عليك يا رسول الله . سمعت الله تعالى يقول : ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ) (النساء : 64) .
وقد جئتك مستغفرا من ذنبي مستشفعاً بك إلى ربي . ثم أنشأ يقول :
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه
وطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه
فيه العفاف وفيه الجود والكرم
وقال العز بن عبد السلام : ينبغي كون هذا مقصوراً على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه سيد ولد آدم ، وأن لا يقسم على الله بغيره من الأنبياء والملائكة والأولياء لأنهم ليسوا في درجته ، وأن يكون مما خص به تنبيها على علو رتبته .
وقال السبكي : ويحسن التوسل والاستغاثة والتشفع بالنبي إلى ربه . وفي إعانة الطالبين : . . . وقد جئتك مستغفراً من ذنبي مستشفعا بك إلى ربي.
ما تقدم أقوال المالكية والشافعية .
وأما الحنابلة فقد قال ابن قدامه في المغني بعد أن نقل قصة العتبى مع الأعرابي : (ويستحب لمن دخل المسجد أن يقدم رجله اليمنى . . إلى أن قال : ثم تأتي القبر فتقول . . وقد أتيتك مستغفرا من ذنبي مستشفعاً بك إلى ربي . . ) ومثله في الشرح الكبير.
وأما الحنفية : فقد صرح متأخر وهم أيضا بجواز التوسل بالنبي صلى الله علية وسلم فقال الكمال بن الهمام في فتح القدير : ثم يقول في موقفه : السلام عليك يا رسول الله . . ويسأل الله تعالى حاجته متوسلا إلى الله بحضرة نبيه عليه الصلاة والسلام .
وقال صاحب الاختيار فيما يقال عند زيارة النبي صلى الله عليه وسلم (جئناك من بلاد شاسعة . . . والاستشفاع بك إلى ربنا) ثم يقول : مستشفعين بنبيك إليك .
ومثله في مراقي الفلاح والطحاوي على الدر المختار والفتاوى الهندية .
ونص هؤلاء : عند زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم اللهم . . . وقد جئناك سامعين قولك طائعين أمرك ، مستشفعين نبيك إليك ) .
وقال الشوكاني : ويتوسل إلى الله بأنبيائه والصالحين.
وقد استدلوا لما ذهبوا إليه بما يأتي:
أ - قوله تعالى: ( وابتغوا إليه الوسيلة) (الماثدة :35) .
ب - حديث الأعمى المتقدم وفيه : ( اللهم أني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة . . . فقد توجه الأعمى في دعائه بالنبي صلى الله عليه وسلم (أي بذاته ) .
جـ قوله صلى الله عليه وسلم في الدعاء لفاطمة بنت أسد : " اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين ".
د- حديث الرجل الذي كانت له حاجة عند عثمان بن عفان -رضي الله عنه - : روى الطبراني والبيهقى أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان - رضي الله عنه - في زمن خلافته ، فكان لا يلتفت ولا ينظر إليه في حاجته ، فشكا ذلك لعثمان بن حنيف ، فقال له : ائت الميضأة فتوضأ، ثم ائت المسجد فصل ، ثم قل : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة . يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك لتقضي حاجتي ، وتذكر حاجتك ، فانطلق الرجل فصنع ذلك ، ثم أتى باب عثمان بن عفان -رضي الله عنه -، فجاء البواب فأخذ بيده ، فأدخله على عثمان -رضي الله عنه - فأدخله معه وقال له : اذكر حاجتك ، فذكر حاجته فقضاها له ، ثم قال : مالك من حاجة فاذكرها .
ثم خرج من عنده فلقي ابن حنيف فقال له : جزاك الله خيرا ما كان ينظر لحاجتي حتى كلمته لي ، فقال ابن حنيف ، والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره. إلى آخر حديث الأعمى المتقدم .
قال المباركفوري : قال الشيخ عبد الغني في إنجاح الحاجة : ذكر شيخنا عابد السندي في رسالته والحديث - حديث الأعمى - يدل على جواز التوسل والاستشفاع بذاته المكرمة في حياته ، وأما بعد مماته فقد روى الطبراني في الكبير عن عثمان بن
حنيف أن رجلا كان يختلف إلى عثمان . . إلى آخر الحديث .
وقال الشوكاني : دليل على جواز التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل مع اعتقاد أن الفاعل هو الله سبحانه وتعالى ، وأنه المعطي المانع ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
القول الثاني : في التوسل النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته :
جاء في التاتر خانية معزيا للمنتقى : روي أبو يوسف عن أبي حنيفة : لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به ( أي بأسمائه وصفاته ) والدعاء المأذون فجه المأمور به ما استفيد من قوله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) (الأعراف : 18 ) .
- وعن أبي يوسف أنه لا بأس به ، وبه أخذ أبو الليث للأثر .
- وفي الدر : والأحوط الامتناع لكونه خبر واحد فيما يخالف القطعي ، إذ المتشابه إنما يثبت بالقطعي.
-أما التوسل بمثل قول القائل : بحق رسلك وأنبيائك وأوليائك ، أو بحق البيت فقد ذهب أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إلى كراهيته ، قال الحصكفي : لأنه لا حق للخلق على الله تعالى وإنما يخص برحمته من يشاء من غير وجوب عليه .
قال ابن عابدين : قد يقال : إنه لا حق لهم وجوبا على الله تعالى لكن الله سبحانه وتعالى جعل لفم حقا من فضله ، أو يراد بالحق الحرمة والعظمة ، فيكون من باب الوسيلة ، وقد قال تعالى: ( وابتغوا إليه الوسيلة).
وقد عد من آداب الدعاء التوسل على ما في ( الحصن )، وجاء في رواية " اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك ، وبحق ممشاي إليك ، فإني لم أخرج أشرا و لا بطرا " الحديث .
ويحتمل أن يراد بحقهم علينا وجوب الإيمان بهم وتعظيمهم . وفي (اليعقوبية) : يحتمل أن يكون الحق مصدرا لا صفة مشبهة، فالمعنى بحقية رسلك ، فليتأمل ا . هـ . أي : المعنى بكونهم حقا لا بكونهم مستحقين . أقول –أي ابن عابدين - : لكن هذه كلها احتمالات مخالفة لظاهر المتبادر من هذا اللفظ ، ومجرد إيهام اللفظ ما لا يجوز كاف في المنع . . فلذا والله أعلم أطلق أئمتنا المنع ، على أن إرادة هذه المعاني مع هذا الإيهام فيها ا،الأقسام بغير الله تعالى وهو مانع اخر، تأمل.
هذا ولم نعثر في كتب الحنفية على رأي لأبي حنيفة وصاحبيه في التوسل إلى الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم في غير كلمة " بحق " وذلك كالتوسل بقوله : "بنبيك " ، أو "بجاه نبيك " ، أو غير ذلك إلا ما ورد عن أبي حنيفة - في رواية أبي يوسف - قوله : (لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به ) .
القول الثالث : في التوسل النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته :
ذهب تقي الدين بن تيمية ، وبعض الحنابلة من المتأخرين إلى أن التوسل بذات إلى بي في لمجبته لا يجوز، وأما التوسل بغير الذات فقد قال ابن تيمية : ولفظ التوسل قد يراد به ثلاثة أمور : يراد به أمران متفق عليهما بين المسلمين :
أحدهما : هو أصل الإيمان والإسلام ، وهو التوسل با لإيمان به صلى الله عليه ولم وبطاعته .
والثاني : دعاؤه وشفاعته صلى الله عليه وسلم ( أي في حال حياته ) وهذا أيضا نافع يتوسل من دعا له وشفع فيه باتفاق المسلمين .
الثالث: التوسل به بمعنى الإقسام على الله بذاته صلى الله عليه وسلم ، والسؤال بذاته ، فهذا ص الذي لم يكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه ، لا في حياته ولا بعد مماته ، لا عند قبره ولا غير قبره ، ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم ، وإنما ينقل شيء من ذلك في أحاديث ضعيفة مرفوعة وموقوفة ، أو عمن ليس قوله حجة .
وذهب ابن تيميه إلى أن التوسل بلفظ ( أسألك بنبيك محمد ) يجوز إذا كان على تقدير مضاف ، فيقول في ذلك : ( فإن قيل : إذا كان التوسل بالإيمان به ومحبته وطاعته على وجهين : تارة بالتوسل بذلك إلى ثواب الله وجنته ( وهذا أعظم الوسائل ) تارة.
يتوسل بذلك في الدعاء -كما ذكرتم نظائره - فيحمل قول القائل : أسألك بنبيك محمد على أنه أراد : أني أسألك بإيماني به وبمحبف ، وأتوسل إليك بإيماني به ومحبف ونحو ذلك ، وقد ذكرتم أن هذا جائز بلا نزاع . قيل : من أراد هذا المعنى فهو مصيب في ذلك بلا نزاع ، وإذا حمل على هذا المعنى لكلام من توسل بإلى بي لمج!و بعد مماته من السلف ، كما نقل عن بعض الصحابة والتابعين ، وعن الإمام أحمد وغيره ، كان هذا حسنا ، وحينئذ فلا يكون في المسألة نزاع ، ولكن كثير من العوام يطلقون هذا اللفظ ، ولايريدون هذا المعنى ، فهؤلاء الذين أنكر عليهم من أنكر، وهذا كما أن الصحابة كانوا يريدون بالتوسل به التوسل بدعائه وشفاعته وهذا جائز بلا نزاع .
وقد نقل عن ابن تيمية-رضي الله عنه -أنه قال بذلك ، فقد نقل عن المجموعة العلمية ص 65 ، وهي مخطوطة في مكتبة الظاهرية بدمشق بخط شرف الدين بن تيمية -أخو الحافظ ابن تيمية - قوله : (وأما حقوق الرسول صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي فتقديم محبته على النفس والأهل والمال وتعزيره وتوقيره ، وإجلاله وطاعته ، واتباع سنته ، وغير ذلك فعنن جدا ، وكذلك ما يشرع به في الدعاء كما في حديث رواه الترمذي وصحى "اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ، يا محمد يا رسول الله ، إني أتوسل بك إلى ربي في حاجة لتقضيها اللهم فشفعه في ) . فهذا التوسل به حسن.
ثم يقول : والذي قاله أبو حنيفة وأصحابه وغيرهم من العلماء من أنه لا يجوز أن يسأل الله تعالى بمخلوق لا بحق الأنبياء ولا غير ذلك يتضمن شيئين كما تقدم :
أحدهما : الأقسام على الله سبحانه وتعالى به ، وهذا منهي عنه عند جماهير العلماء كما لقدم كما ينهي أن يقسم على الله بالكعبة والمشاعر باتفاق الفقهاء .
والثاني : السؤال به فهذا يجوزه طائفة من الناس ، ونقل في ذلك آثار عن بعض السلف ، وهو موجود في دعاء كثير من الناس ، لكن ما روي عن النبي !ذ في ذلك كله ضعيف بل موضوع ، وليس عنه حديث ثابت قد يظن أن لهم فيه حجة إلا حديث الأعمى الذي علمه أن يقول : أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ).
وحديث الأعمى لا حجة لهم فيه ، فإنه صريح في أنه إنما توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته ، وهو طلب من النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء ، وقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول : ( اللهم شفعه في ) . ولهذا رد الله عليه بصره لما دعا له النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك يعد من آيات النبي صلى الله عليه وسلم. ولو توسل غيره من العميان الذين لم يدع لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالسؤال به لم تكن حالهم كحاله.
وساغ النزاع في السؤال بالأنبياء والصالحين دون الأقسام بهم ، لأن بين السؤال والأقسام فرقا ، فإن السائل متضرع ذليل يسأل بسبب يناسب الإجابة ، والمقسم أعلى من هذا ، فإنه طالب مؤكد طلبه بالقسم ، والمقسم لا يقسم إلا على من يرى أنه يبر قسمه ، فإبرار القسم خاص ببعض العباد ، وأما إجابة السائلين فعام ، فإن الله يجيب دعوة المضطر ودعوة المظلوم ، وإن كان كافرا ، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث : إما أن تعجل له دعوته في الدنيا ، واما أن يدخرها له في الآخرة مثلها ، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها . قالوا إذا نكثر، قال : : الله أكثر".
وهذا التوسل بالأنبياء بمعنى السؤال بهم -وهو الذي قال عنه أبو حنيفة وأصحابه وغيرهم : أنه لا يجوز - ليس في المعروف من مذهب مالك ما يناقض ذلك ، فمن نقل عن مذهب مالك أنه جوز التوسل به بمعنى الإقسام أو السؤال به فليس معه في ذلك نقل عن مالك وأصحابه ، ثم يقول : ولم يقل أحد من أهل العلم : أنه يسأل الله تعالى في ذلك لا بنبي ولا بغير نبي .
وكذلك من نقل عن مالك أنه جوز سؤال الرسول أو غيره بعد موتهم أو نقل ذلك عن إمام من أئمة المسلمين - غير ذلك -كالشافعي وأحمد وغيرهما فقد كذب عليهم، وليس مع ابن تيمية دليل على قوله هذا ، وإلا أتى به خاصة في موقف الخصومة ، ولكنه يقرر أن المسألة خلافية لكل فيها رأيه .
- ثم يقرر ابن تيمية في كتابه "قاعدة جليلة" أن هذه المسألة خلافية وأن التكفير بها حرام وإثم .
- ويقول بعد ذكر الخلاف في المسألة : ولم يقل أحد : إن من قال بالقول الأول فقد كفر، ولا وجه لتكفيره ، فإن هذه مسألة خفية ليست أدلتها جلية ظاهرة ، والكفر إنما يكون بإنكار ما علم من الدين بالضرورة ، أو بإنكار الأحكام المتواترة والمجمع عليها ونحو ذلك . بل المكفر بمثل هذه الأمور يستحق من غليظ العقوبة والتعزير ما يستحقه أمثاله من المفترين على الدين ، لا سيما مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أيما رجل قال لأخيه : يا كافر فقد باء به أحدهما ).
2 - التوسل بالصالحين من غير النبي :
لا يخرج حكم التوسل بالصالحين من غير النبي صلى الله عليه عما سبق من الخلاف في التوسل به صلى الله عليه وسلم.
لأن العلماء أثبتوا لهم جاها عند الله تعالى ومنزلة ، يتقرب بها إلى الله وقد استشهدوا على ذلك بأدلة نورد جزءا منها ونبين رأئ الإمام ابن تيميه في الأمور الآتية هل للصالحين جاه أم لا؟
- وهل هناك خلاف بالتوسل بهم أم لا؟
- هل يترتب عليها تكفير أو الحكم على الناس بالشرك أم لا؟

- وهل هو من مسائل الفقه أم من مسائل العقيدة؟

ولترك الإجابة الآن لشيخ الإسلام ابن تيمية حيث يقول :

إثبات الجاه للصالحين :

قد جاء في حديث رواه أحمد في مسنده وابن ماجة عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه أنه علم الخارج إلى الصلاة أن يقول في دعائه : "أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا رياء

و لاسمعة ، ولكن خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك ".

فإن كان هذا صحيحا فحق السائلين عليه أن يجيبهم ، وحق العابدين له أن يغيبهم وهو حق أوجبه على نفسه لهم ، كما يسأل بالإيمان والعمل الصالح الذي جعله سببا لإجابة الدعاء كما في قوله تعالى ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله ) (الشورى : 26) .

وكما يسأل بوعده لأن وعده يقتضي إنجاز ما وعده ، ومنه قول المؤمنين : (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار!(آل عمران : 193 ) .

وقوله ( إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا أنت خير الراحمين(109) فاتخذتموهم سخرياً حتى أنسوكم ذكرى) (المؤمنون : 109 - 110 ) .

ويشبه هذا مناشدة النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر حيث يقول : "اللهم أنجز لي ما وعدتني " وكذلك ما في التوراة أن الله تعالى غضب على بني إسرائيل ، فجعل موسى يسأل زبه ويذكر ما وعد به إبراهيم ، فإنه سأله بسابق وعده لإبراهيم.

ثم يقول ابن تيمية "رحمه الله -عن إثبات الجاه للصالحين :

(قد تبين أن قول القائل ( أسألك بكذا ) نوعان : فإن الباء قد تكون للقسم ، وقد تكون للسبب . فقد تكون قسما به على الله ، وقد تكون سؤالا بسببه.

فأما الأول : فالقسم بالمخلوقات لا يجوز على المخلوق فكيف على الخالق ؟

وأما الثاني : وهو السؤال بالمعظم كالسؤال بحق الأنبياء فهذا فيه نزاع ، وقد تقدم عن أبي حنيفة وأصحابه أنه لا يجوز ذلك ، ومن الناس من يجوز ذلك فنقول : قول السائل لله تعالى : ( أسألك بحق فلان وفلان من الملائكة والأنبياء والصالحين ؟غيرهم ، أو بجاه فلان أو بحرمة فلان ) يقتضي أن هؤلاء لهم عند الله جاه ، وهذا صحيح .

فإن هؤلاء لهم عند الله منزلة وجاه وحرمة يقتضي أن يرفع الله درجاتهم ويعظم أقدارهم ويقبل شفاعتهم إذا شفعوا ، مع أنه سبحانه قال من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ).

ويقتضي أيضا أن من اتبعهم واقتدى بهم فيما سن له الاقتداء بهم فيه كان سعيدا ، ومن أطاع أمرهم الذي بلغوه عن الله كان سعيدا ، ولكن ليس مجرد نفس قدرهم وجاههم مما يقتضي إجابة دعائه إذا سأل الله بهم حتى يسأل الله بذلك ، بل جاههم ينفعه أيضا إذا اتبعهم وأطاعهم فيما أمروا به عن الله ، أو تأسى بهم فيما سنوه للمؤمنين ، وينفعه أيضا إذا دعوا له وشفعوا فيه.

هذا هو رأي الإمام بن تيمية ، الذي أثبت للصالحين جاها بالأدلة ولكنه منع التوسل بجاههم ، ولم يمنعه إذا توسل بطاعتهم والاقتداء بهم ، ومحبتهم ، وغير الإمام ابن تيمية من جمهور العلماء لم يمنع كل ذلك ، هذا ولكل رأيه في المسألة ، وهذه من الأمور الخلافية ، والمسائل الخلافية ليس فيها أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، لأن المسائل الخلافية ليمت من المنكرات فضلا عن أن تكون من المحرمات أو الشركيات ، ولكل أن يتبع إماما من الأئمة ، أما إذا كان من أهل إلى النظر، فإنه يأخذ بما يصح عنده من الأدلة .

التوسل مسألة فقهية وليست من أصول العقيدة :

وأخيرا نسوق إليك رأي الإمام محمد بن عبد الوهاب في الموضوع : في المسألة العاشرة : ( قولهم في الاستسقاء لا بم أس بالتوسل بالصالحين وقول أحمد يتوسل النبي صلى الله عليه وسلم خاصة مع قولهم إنه لا يستغاث بمخلوق - فالفرق ظاهر جدا - وليس الكلام مما نحن فيه فكون البعض يرخص التوسل بالصالحين وبعضهم يخصه النبي صلى الله عليه .

وأكثر العلماء ينهي عنه ويكرهه . . فهذه المسألة من مسائل الفقه الصواب عندنا قول الجمهور أنه مكروه فلا ننكر على من فعله.

فها هو الإمام محمد بن عبد الوهاب يقرر أنه :

ا -من مسائل الفقه .

2 - أنه مكروه .

3- لا ينكر على من فعله .

هذا وقد سبق لنا أن قدمنا رأي الإمام ابن تيمية في ذلك حيث قرر أن هذه مسائل خلافية ، وهي من مسائل الفقه لا شرك فيها ، ومن قال غير ذلك يستحق من العقوبة ما يستحق أمثاله من المفترين على الدين لا سيما قول النبي صلى الله عليه وسلم:" من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما".

والآن نعيد على هؤلاء ما قاله الإمام البنا في الأصل الخامس عشر-في رسالة التعاليم - عندما قال : ( والدعاء إذا قرن بالتوسل إلى الله بأحد من خلقه خلاف فرعي في كيفية الدعاء وليس من مسائل العقيدة ) . فهل خالف قوله العلماء وبصفة خاصة الإمامين ابن تيمية وابن عبد الوهاب ؟ .

ثم هل يترتب على فعل المتوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم والصالحين بعد وفاتهم عقوبة . و الآن وبعد أن تبين لنا أنها مسألة نزاع وخلاف بين العلماء ولا يترتب عليها تكفير فهل يترتب عليها عقوبة؟ ننظر إلف شيخ الإسلام ابن تيمية حيث يقول : (وليس هذا من مسائل العقوبات بإجماع المسلمين بل المعاقب على ذلك معتد جاهل ظالم - فإن القائل بهذا قد قال ما قالت العلماء - والمنكر عليه ليس معه نقل يجب اتباعه لا عن النبي صلى الله عليه وسلم!ذ ولا عن الصحابة ).

ولقد نفى الشيخ صالح الفوزان عن الشيخ ابن تيمية ، أنه كفر أحدا يتوسل النبي صلى الله عليه وسلم البتة أو بأحد الصالحين بعد وفاتهم ، وبين أن هذا النوع ، من التوسل ، لا يجوز تكفير صاحبه ، كما لم يقل أحد من علماء الأمة بأنه كفر أو شرك.

جهالة في الاستشهاد والاستدلال :

هذا وقد استشهد بعض الذين لا علم لهم ولا دراية بالأحكام بآيات من القرآن الكريم نزلت في المشركين الذين يعبدون غير الله ، واستدلوا بها في غير موضوعها من مثل قوله تعالى : ( ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) (يونس : 18 ) . وقوله تعالى :"والذين اتخذوا في دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى (الزمر : 3) .

وواضح من الآيتين أنهم كانوا يعبدونهم ويتوسلون بهم بدليل قوله تعالى: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) وهذا يخالف تماما حال المسلمين الذين يعبدون الله تعالى ويتوسلون إلى الله بمن لا يعبدونهم ، ولكن بالصالحين من خلق الله كالأنبياء ، وغيرهم ، وقد وردت في ذلك أدلة تجيز ذلك كما سبق .

وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وكان المشركون الذين جعلوا معه آلهة أخرى مقرين بأن آلهتهم مخلوقة ولكنهم كانوا يتخذونهم شفعاء ويتقربون بعبادتهم إليه


وقول القائل : إن من توسل إلى الله بنبي . فقال : أتوسل إليك برسولك فقد استغاث برسوله حقيقة , في لغة العرب وجميع الأمم قد كذب عليهم فما يعرف هذا في لغة أحد من بني آدم بل الجميع يعلمون أن المستغاث مسئول به مدعو ويفرقون بين المسئول والمسئول به سواء استغاث بالخالق أو بالمخلوق فإنه يجوز أن يستغاث بالمخلوق فيما يقدر على النصر فيه . والنبي صلى الله عليه وسلم أفضل مخلوق يستغاث به في مثل ذلك . ولو قال قائل لمن يستغيث به : أسألك بفلان أو بحق فلان لم يقل أحد : إنه استغاث بما توسل به بل إنما استغاث بمن دعاه وسأله ; ولهذا قال المصنفون في شرح أسماء الله الحسنى : إن المغيث بمعنى المجيب لكن الإغاثة أخص بالأفعال والإجابة أخص بالأقوال . والتوسل إلى الله بغير نبينا صلى الله عليه وسلم - سواء سمي استغاثة أو لم يسم - لا نعلم أحدا من السلف فعله

س/ لكن كيف تكون هذه المسألة فقهية عند الشيخ محمد بن عبدالوهاب؟؟؟؟؟
لان كل مذهب فقهي فسر الادلة على ماعنده من حقائق وهكذا أصبحت مسألة فقهية اعتمدت على الاسس الكتاب والسنة والقياس والاجتهاد